اﻷربعاء, 26 مارس, 2025
مع الدكتور: محمد فخري صويلح؛
خبير المصرفية الإسلامية والأوقاف
حاوره: الدكتور هشام أيت السي علي
رئيس المركز المغربي للاقتصاد التشاركي
تفاصيل الحوار؛
أشار الدكتور محمد فخري صويلح، خبير المصرفية الإسلامية والأوقاف بالأردن، في الحوار الذي أجرته معه مجلة تشارك، إلى أن البنوك الإسلامية حققت نموًا مستدامًا في العقود المعتمدة على المضاربة في بعض الدول الإسلامية، ويتوقع أن يستمر نمو الأصول المصرفية الإسلامية بمعدلات مرتفعة في السنوات القادمة. وأكد فضيلته أن عقد المضاربة يتوافق تمامًا مع الشريعة الإسلامية، لأنه يعتمد على المشاركة في الربح والخسارة بدون ضمان للربح أو العائد، وهو ما يعزز ثقة العملاء في المنتجات المالية الإسلامية.
واعتبر الخبير الأردني عقد المضاربة في البنوك الإسلامية من العقود الناجحة والمستقرة في بعض التطبيقات والتجارب، غير أنه لم يخف توجسه من مستقبل هذا العقد، بالنظر إلى التوجه العام نحو عقود المرابحة والتي توفر للبنك ضمانًا أكبر لاسترداد رأس المال وتحقيق أرباح ثابتة، حيث تكون المخاطر أقل مقارنةً بالمضاربة، بالإضافة إلى فرض قيود تنظيمية ورقابة أشد على عقود المضاربة، من قبل بعض البنوك المركزية، ما أدى إلى تعقيد الإجراءات وزيادة التكاليف المرتبطة بتطبيقها، بالإضافة إلى التحديات التي يعرفها العقد على المستوى الفني والتدقيق الشرعي.
ورغم كل هذه التحديات، إلا أن ضيف المجلة، قدم مجموعة من الحلول والتطلعات لتجاوز كل الصعوبات العملية والشرعية من أجل تعزيز الثقة في هذه العقود على مستوى الدول الإسلامية وداخل الأسواق المالية الدولية. إليكم الحوار كاملا.
يُعتبر عقد المضاربة أحد أهم العقود المستخدمة في المصرفية الإسلامية وفي عمليات التمويل الإسلامي، ويُستخدم على نطاق واسع في البنوك الإسلامية حول العالم. والمضاربة هي نوع من الشراكات يقوم فيها الطرف الأول (المستثمر أو رب المال) بتوفير رأس المال، بينما يدير الطرف الآخر والمسمى العامل على المال أو -المدير أو المضارب-بالمشروع التجاري باستخدام مهاراته وخبراته. يتم تقاسم الأرباح بين الطرفين بناءً على نسبة متفق عليها مسبقاً، بينما يتحمل رب المال (المستثمر) خسارة رأس المال إذا لم يكن هناك أي تقصير أو تعدٍ أو مخالفة لشروط العقد من جانب المضارب المدير.
ولعل أهم التطبيقات في البنوك الإسلامية لعقد المضاربة يكمن في الحسابات الاستثمارية التي تتلقى فيها البنوك الإسلامية الودائع من المتعاملين ومن ضمنها: حسابات التوفير وحسابات الودائع لأجل: تعتمد العديد من البنوك الإسلامية على عقد المضاربة في حسابات التوفير وحسابات الودائع لأجل، حيث يُعتبر البنك المدير ويستثمر الأموال في مشاريع مختلفة، ويتم تقاسم الأرباح مع العملاء.
فيما تقدم البنوك الإسلامية التمويلات بصيغة المضاربة لغايات تمويلية محددة مثل تمويل المشاريع والتيتستخدم المضاربة بشكل كبير في تمويل المشاريع الكبيرة، حيث يقوم المستثمر بتمويل المشروع بالكامل ويقوم المدير بإدارته.
وكذلك تمويل رأس المال العامل للشركات، ففي بعض الحالات، يتم استخدام المضاربة لتوفير رأس المال العامل للشركات، حيث يقوم البنك بتمويل العمليات اليومية والتشغيلية للشركات مقابل حصة من الأرباح.
وإذا نظرنا لاستخدامات عقد المضاربة من ناحية إحصائية، فسنجد أنالبنوك الإسلامية تحقق نموًا مستدامًا في العقود المستندة إلى المضاربة، خاصة في مناطق مثل دول الخليج وآسيا. على سبيل المثال، من المتوقع أن يستمر نمو الأصول المصرفية الإسلامية بمعدل مرتفع في السنوات القادمة، مدفوعًا بالطلب القوي على المنتجات والخدمات الإسلامية، خاصة في ماليزيا وإندونيسيا والسعودية. في عام 2023، شهدت الأصول المصرفية الإسلامية نموًا بنسبة تقارب 8% على مستوى العالم، ومن المتوقع أن يستمر هذا النمو بمعدل مماثل في 2024 و2025.
السؤال الثاني: بالنظر إلى هذه الأرقام المتنامية للأصول المصرفية الإسلامية، فما الذي يفسر التوجه العام للعملاء نحو عقود المرابحة بدل عقود المضاربة وكيف أثر ذلك على الأخيرة؟
من الضروري التذكير أن عقد المرابحة هو أحد العقود الأساسية في البنوك الإسلامية، وهو يختلف عن عقد المضاربة في طبيعة العلاقة بين البنك والعميل. ففي عقد المرابحة وهو عقد بيع لأصل مالي محدد، فإن البنك يقوم بشراء سلعة بناءً على طلب العميل ثم يبيعها للعميل مقابل سعر يشتمل على ربح محدد مسبقًا. بينما في عقد المضاربة وهو عقد شراكة بين رأس المال والعمل، يُسهم البنك بتمويل المشروع ويتقاسم الأرباح والخسائر مع الشريك (المضارب) الذي يدير المشروع بجهده وعمله.
2. تحديات تطبيق المضاربة: العقود المستندة إلى المضاربة تحمل مخاطر أعلى، حيث يتحمل المستثمر وحده الخسارة إذا لم ينجح المشروع، ما يجعلها أقل جاذبية للبنوك التي تفضل العقود ذات العوائد الأكثر أمانًا مثل المرابحة. هذا الأمر أدى إلى تقليل تطبيق المضاربة في العديد من البنوك الإسلامية، ويظهر هذا الأمر بوضوح في خلو القوائم المالية في الكثير من البنوك الإسلامية من أي تطبيق لتمويلات المضاربة لصالح المتعاملين معها.
3. التنظيمات المالية: في التطبيقات في بعض الدول، تطلب البنوك المركزية وتفرض قيوداً تنظيمية ورقابة أشد على عقود المضاربة، ما أدى إلى تعقيد الإجراءات وزيادة التكاليف المرتبطة بتطبيقها. هذا قد يدفع البنوك إلى استخدام المرابحة كبديل أكثر بساطة وأمانًا.
بشكل عام، بينما تظل المضاربة جزءًا هامًا من الأدوات المالية الإسلامية، إلا أن المرابحة قد تفوقت عليها من حيث الاستخدام والتفضيل بسبب ما توفره من أمان وربحية واضحة.
السؤال الثالث: بناء على ما ذكرتم من الإكراهات التي تقف أمام الانطلاقة الفعلية لتطبيق المضاربة، فهل يمكن مع ذلك الحديث عن نجاح عقد المضاربة في الاستقرار مستقبلا كما عليه الحال في عقد المرابحة؟
يمكن اعتبار عقد المضاربة في البنوك الإسلامية عقدًا ناجحًا ومستقراً في بعض التطبيقات والتجارب، ولكن بتحديات معينة تجعل استقراره أمرًا نسبيًا.ويمكن توضيح بعض صور النجاح لهذه التجربة والممارسة كما يلي:
عناصر النجاح:
1. التطبيق الواسع: بالإضافة إلى اعتبار عقد المضاربة هو العقد الأساس في تلقي الودائع الاستثمارية من المتعاملين، فإن عقد المضاربة يستخدم بشكل رئيسي في تمويل المشاريع والاستثمارات، حيث يمكن للبنك تحقيق أرباح دون تحمل إدارة المشروع. هذا يجعل العقد جذابًا للبنوك التي تبحث عن شراكة مع مستثمرين ذوي خبرة في مجالات معينة.
2. المرونة والتوافق مع الشريعة: عقد المضاربة يعتبر متوافقًا تمامًا مع الشريعة الإسلامية، لأنه يعتمد على المشاركة في الربح والخسارة بدون ضمان للربح أو العائد، وهو ما يعزز ثقة العملاء في المنتجات المالية الإسلامية.
3. التنوع في الاستخدام: يمكن استخدام المضاربة في مجموعة متنوعة من التطبيقات المالية مثل الحسابات الاستثمارية والتمويل طويل الأجل، مما يعزز من دوره في النظام المالي الإسلامي.
وأما في استعراض المخاطر والتحديات، فيمكننا الإشارة إلى أهمها وكما يلي:
1. المخاطر العالية: من أكبر التحديات التي تواجه المضاربة هي المخاطر المرتبطة بها، حيث يتحمل المستثمر (رب المال) الخسارة الكاملة إذا فشل المشروع. هذا يجعل العقد أقل جاذبية للبنوك التي تسعى لتجنب المخاطر العالية.
2. ضعف الإقبال مقارنة بالمرابحة: مع أن المضاربة تُعد أصيلة في التمويل الإسلامي، إلا أن عقودًا مثل المرابحة أصبحت أكثر شيوعًا في البنوك الإسلامية نظرًا لأنها توفر عوائد ثابتة وأقل مخاطرة.
3. التحديات التنظيمية والرقابية: بسبب طبيعة عقد المضاربة وتوزيع المخاطر، قد تواجه البنوك متطلبات تنظيمية أشد، مما يزيد من تكاليف الامتثال ويقلل من جاذبية العقد.
وعليه، فإنعقد المضاربة في البنوك الإسلامية يعتبر ناجحًا إلى حد كبير بفضل تميزه كأداة متوافقة مع الشريعة الإسلامية وقابليته للتطبيق في العديد من المجالات. ومع ذلك، فإن استقراره النسبي يتأثر بتفضيلات السوق تجاه العقود الأكثر أمانًا، مثل المرابحة، بالإضافة إلى المخاطر التنظيمية والمالية المرتبطة به. لهذا، يمكن القول إنه عقد ناجح، ولكنه يتطلب إدارة دقيقة للمخاطر لتحقيق الاستقرار المطلوب
السؤال الرابع: أشرتم في معرض جوابكم أن عقد المضاربة يستخدم بشكل رئيسي في تمويل المشاريع والاستثمارات، فما هي أهم المجالات التي يتم فيها استثمار الأموال في هذا العقد في البنوك الإسلامية؟
البنوك الإسلامية تستخدم عقد المضاربة للاستثمار في مجموعة متنوعة من المجالات التي تتماشى مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وأهم هذه المجالات تشمل:
1. التمويل العقاري: يعتبر الاستثمار في العقارات من أهم المجالات التي يتم فيها استخدام المضاربة. فتقوم البنوك الإسلامية بتمويل شراء أو تطوير العقارات بهدف بيعها أو تأجيرها، ويتم تقاسم الأرباح مع المستثمرين.
2. المشاريع الصناعية: يتم تمويل المشاريع الصناعية الكبيرة، مثل إنشاء المصانع أو توسيعها، باستخدام عقود المضاربة. هذه المشاريع تتطلب رأس مال كبير وتوفر عوائد محتملة كبيرة، مما يجعلها مناسبة لعقود المضاربة.
3. التجارة الدولية: تستثمر البنوك الإسلامية في التجارة الدولية من خلال تمويل عمليات استيراد وتصدير السلع. البنوك توفر رأس المال، والتجار يديرون العمليات التجارية، مع تقاسم الأرباح الناتجة عن البيع بين الطرفين وحسب الاتفاق المسبق بينهما.
4. الزراعة: المضاربة تستخدم أيضًا في تمويل المشاريع الزراعية، مثل زراعة المحاصيل أو تربية الماشية. هذه الاستثمارات تتماشى مع متطلبات الشريعة وتوفر فرصًا جيدة لتقاسم الأرباح.
5. الطاقة والبنية التحتية: مشاريع الطاقة والبنية التحتية، مثل محطات توليد الطاقة والمشاريع الإنشائية الكبرى، تعد أيضًا من المجالات التي تستثمر فيها البنوك الإسلامية باستخدام المضاربة، حيث يمكن تحقيق أرباح كبيرة من هذه المشاريع طويلة الأجل.
6. التكنولوجيا والابتكار: بدأت بعض البنوك الإسلامية في التوسع من خلال الدخول إلى نطاقات ومجالات جديدة للاستثمار مثل التكنولوجيا والابتكار، خاصة في الدول التي تسعى إلى تعزيز اقتصاديات المعرفة.
السؤال الخامس: تطرقتم إلى تطبيقات المضاربة في التمويلات والمشاريع الصناعية والزراعية والاقتصادية وحتى التكنولوجيا، فهل نجد تطبيق عقد المضاربة كذلك حاضرا على مستوى الأسواق المالية وفي أي إطار ونطاق؟
نعم، هناك تطبيقات لعقد المضاربة في الأسواق المالية، ولكنها تختلف عن التطبيقات التقليدية في المشاريع أو التجارة. ويتم استخدام المضاربة في الأسواق المالية ضمن أطر محددة ونطاقات معينة، خاصة في إطار إدارة الصناديق الاستثمارية وصناديق الأسهم.
ومن أهم التطبيقات في الأسواق المالية:
صناديق الاستثمار الإسلامية:
صناديق المضاربة: بعض الصناديق الاستثمارية الإسلامية تعمل بناءً على عقد المضاربة، حيث يقوم المستثمرون بوضع أموالهم في الصندوق، ويقوم مدير الصندوق (المضارب) باستثمار تلك الأموال في مجموعة من الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. ويتم اقتسام الأرباح المتحققة من هذه الاستثمارات بين المستثمرين ومدير الصندوق بناءً على نسبة متفق عليها مسبقًا.
ثانيا إدارة المحافظ الاستثمارية:
يستخدم عقد المضاربة أيضًا في إدارة المحافظ الاستثمارية الخاصة، حيث يمكن لشخص أو مؤسسة استثمار أموالهم في محفظة يتم إدارتها من قبل مدير استثمار محترف. في هذا السياق، يقوم مدير الاستثمار باتخاذ قرارات استثمارية بناءً على استراتيجية مضاربة معتمدة، وتُقسم الأرباح الناتجة وفقًا للاتفاق بين الأطراف المتعاقدة.
ثالثا المضاربة في سوق الأسهم:
في بعض الأسواق المالية الإسلامية، يمكن استخدام المضاربة في التداول بالأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. فيقوم المستثمر بتوفير رأس المال للمتداول (المضارب) الذي يقوم بتداول الأسهم بهدف تحقيق أرباح، والتي يتم تقاسمها وفق النسبة المتفق عليها. علماً بأن هذا التطبيق محدود نوعًا ما نظرًا للمخاطر العالية المرتبطة بتداول الأسهم مقارنةً بالاستثمارات الأكثر استقرارًا.
الإطار والنطاق:
من الضروري التذكير بأن هذه التطبيقاتتستخدم في نطاق محدد يتطلب الامتثال لأحكام الشريعة الإسلامية تفادياً لأي مخاطر شرعية.
أي أن الاستثمار أو التداول يجب أن يكون متوافقًا مع المعايير الإسلامية لتملك وتداول الأسهم والصكوك والأدوات المالية، مما يعني عدم الاستثمار في صناعات محرمة مثل الخمور أو الربا. بالإضافة إلى ذلك، يتم تطبيق المضاربة في أسواق تتمتع بإطار تنظيمي قوي لضمان الشفافية والعدالة في توزيع الأرباح.
السؤال السادس: بناء على المجالات المتعددة والواسعة لتطبيق عقد المضاربة التي أشرتم إليها، فلا شك ستبرز إلى السطح تحديات فنية تعترض تنزيلها؛ فما هي أهم هذه التحديات التي تواجه عقد المضاربة؟
يواجه عقد المضاربة عدة تحديات فنية في التطبيق داخل البنوك الإسلامية. هذه التحديات تؤثر على فعالية وإدارة هذا العقد، ومن أبرزها:
1. إدارة المخاطر: فتمثل مخاطر الخسارة: في عقد المضاربة تحدياً حقيقياً في تطبيق العقد، ويتحمل المستثمر (رب المال) الخسائر بالكامل إذا فشل المشروع، مما يجعل إدارة المخاطر تحديًا كبيرًا يجعل البنوك بحاجة مستمرة إلى تقييم دقيق للمشاريع لضمان تحقيق الأرباح.
بالإضافة لذلك فإن حالة عدم اليقين في العوائد تخلق إشكالية حقيقية حول عوائد المضاربة والتي تعتمد على أداء المشروع، مما يجعل العوائد غير مؤكدة ومتغيرة، وهذا يمكن أن يكون غير جذاب للبنوك التي تبحث عن عوائد أكثر استقرارًا.
2. تضارب المصالح: وتتجلى صورة هذا التضارب في سيناريو التفويض والرقابة والذي يمكن أن ينشأ بين المستثمر (رب المال) والمدير (المضارب)؛ حيث قد يميل المضارب إلى اتخاذ قرارات تحقق له فوائد قصيرة الأجل على حساب الأداء العام للمشروع.
ويضاف لتحدي تضارب المصالح، تحديالشفافية والمحاسبة والذي يتجلى في الحاجة إلى مستوى عالٍ من الشفافية في إدارة الأموال والمشاريع الممولة بعقد المضاربة، حيث يتطلب ذلك أنظمة محاسبية متطورة ورقابة دقيقة لضمان عدم حدوث أي تلاعب أو سوء إدارة.
3. التحديات القانونية والتنظيمية: وتبرز بوضوح في تنظيم العقود والتي تختلف باختلاف القوانين المنظمة لعقد المضاربة من دولة لأخرى، مما يحد من تطبيقه خاصة في الأسواق المالية الدولية.
إضافة إلى مراجعة العقود، والتي تتطلب أنالعقد يجب أن يكون واضحًا ومفصلًا، وهذا يتطلب إجراءات قانونية دقيقة لضمان أن العقد يتماشى مع الشريعة الإسلامية ويحقق أهداف الطرفين.
4. التحديات التشغيلية: وتكمن في التحكم والإدارة: فالمضارب يحتاج إلى التحكم الكامل في إدارة المشروع، ولكن هذا يضعف قدرة رب المال على التدخل إذا كانت هناك مشاكل، مما يزيد من تعقيدات الإدارة.
إضافة إلى التكلفة الزمنية والإدارية في متابعة وإدارة العقود وتقييم المشاريع مما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين من قبل البنوك، ويزيد من التكاليف التشغيلية.
5. الاعتماد على المهارات الفردية، وتحديداً مهارات المدير (المضارب) فنجاح عقد المضاربة يعتمد بشكل كبير على مهارات وخبرة المدير، مما يعني أن اختيار مدير غير مؤهل قد يؤدي إلى فشل المشروع وتحقيق خسائر للمستثمرين.
هذه التحديات تجعل تطبيق عقد المضاربة في حالة تحدٍ حقيقي ويتطلب إدارة دقيقة لضمان تحقيق التوازن بين مخاطر العقد وأهداف الربح، وهو ما يفسر تفضيل العديد من البنوك الإسلامية لعقود أكثر استقرارًا مثل المرابحة.
السؤال السابع: تحدثتم عن التحديات الفنية التي تواجه تنزيل عقد المضاربة، فما هي أهم التحديات على مستوى الرقابة الشرعية على هذا العقد؟
تواجه الرقابة والتدقيق الشرعي على عقد المضاربة في البنوك الإسلامية تحديات ومعوقات متعددة والتي تؤثر بدورها على تطبيق هذا العقد بفعالية تضمن توافقه مع أحكام الشريعة الإسلامية. وأبرز هذه التحديات والمعوقات:
1. التأكد من التوافق الشرعي: فتعدد واختلاف التفسيرات الفقهية بين العلماء والمذاهب الإسلامية يؤدي إلى تحديات في تحديد المعايير الشرعية الدقيقة التي يجب أن يلتزم بها عقد المضاربة. مما يسبب تضاربًا في الآراء حول ما إذا كانت بعض البنود أو الممارسات تتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا.
2. التنفيذ والإشراف والرقابة المستمرة: يتطلب عقد المضاربة رقابة مستمرة لضمان أن الأرباح توزع وفقًا لأحكام الشريعة، وأن المضارب (مدير الاستثمار) لا يتجاوز الحدود المتفق عليها. هذه الرقابة تحتاج إلى خبرة ومعرفة عميقة بالضوابط الشرعية وبالممارسات المالية الحديثة، مما يضيف عبئًا إضافيًا على هيئات الرقابة الشرعية.
وكذلك فهناك حاجة مستمرة لتقديم التقارير والبيانات المالية الدورية والواضحة والتي تتماشى مع متطلبات الشريعة مما يشكل تحديًا، حيث يجب أن تكون هذه التقارير دقيقة وتكشف عن جميع التفاصيل المتعلقة بالاستثمار والمكاسب والخسائر.
3. تقييم المخاطر وخصوصاً ما يتعلق بالتوازن بين الربحية والتوافق الشرعي: ما يشكل تحدياً حقيقياً أن المشاريع التي يتم الاستثمار فيها تحت عقد المضاربة ليست فقط مربحة، ولكنها أيضًا متوافقة مع الشريعة. يتطلب ذلك قدرة على تقييم المخاطر الشرعية جنبًا إلى جنب مع المخاطر المالية.
يضاف إلى ذلك ضمان العدالة والشفافية: وتشمل ذلك التأكد أن جميع الأطراف المعنية (المستثمرين، البنوك، ومدراء الاستثمار) تعمل بعدالة وشفافية، مما قد يتطلب نظامًا دقيقًا للمراقبة والتقييم.
4. التدقيق الشرعي وتعقيدات التدقيق: فعقد
المضاربة يتطلب تدقيقًا شرعيًا معقدًا للتأكد من أن جميع العمليات، بما في ذلك توزيع الأرباح وتحمل الخسائر، قد تمّت وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية. هذا التدقيق يتطلب توافر كوادر مؤهلة ومدربة بشكل جيد.
هذه التحديات تشير إلى أن الرقابة الشرعية ليست مجرد خطوة إجرائية، بل هي عملية مستمرة ومعقدة تتطلب توازنًا بين تحقيق الربحية وضمان التوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية
السؤال الثامن: أمام هذه الإكراهات الفنية وتحديات الرقابة الشرعية التي تطرقتم إليها بخصوص عقد المضاربة؛ ما هي، في نظركم، أهم التطلعات في تطبيق هذا العقد وفي تجاوز صعوباته وإكراهاته العملية والشرعية؟
لعل أهم التطلعات في تطبيق عقد المضاربة وفي تجاوز صعوباته العملية والشرعية، يكمن في المحطات التالية:
1. تعزيز الشفافية والمساءلة، ويكون ذلك من خلال تطوير الأنظمة المحاسبية فهناك حاجة لتطوير أنظمة محاسبية دقيقة تضمن الشفافية في إدارة الأموال وتوزيع الأرباح. تحقيق هذا الهدف يتطلب استخدام تكنولوجيا حديثة تمكن من تتبع الأداء المالي للمشاريع بدقة أكبر، يضاف لذلك تحسين معايير الإفصاح فالبنوك تتطلع نحو زيادة الإفصاح عن تفاصيل الاستثمارات والمخاطر المحتملة بشكل يمكن العملاء من اتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
2. زيادة الوعي وبناء القدرات، ويتمثل ذلك في التدريب والتعليم والذي يمثل أحد التطلعات الرئيسية في تعزيز فهم العاملين في البنوك والمستثمرين لأحكام الشريعة المتعلقة بالمضاربة وضمان التزامهم بها، بالإضافة إلى رفع مستوى التوعية لعملاء البنوك فزيادة وعي العملاء بكيفية عمل عقد المضاربة ومخاطره وفوائده يمكن أن يسهم في زيادة الإقبال على هذه العقود.
3. تحسين الرقابة الشرعية ويظهر ذلك بوضوح من خلال تعزيز استقلالية الهيئات الشرعية والعمل على ضمان استقلالية الهيئات الشرعية عن الإدارة التنفيذية للبنوك. مما يقلل من تضارب المصالح ويسهم في ضمان التزام العقود بمبادئ الشريعة.
بالإضافة إلى تطوير معايير الرقابة من خلال تطوير معايير دولية موحدة للرقابة الشرعية يمكن أن يسهل من تطبيق عقد المضاربة بشكل أكثر فعالية وتناسقًا عبر الأسواق المختلفة.
4. الابتكار المالي وتطوير المنتجات ويرتكز هذا على تصميم منتجات مبتكرة، فهناك تطلع لتطوير منتجات مالية جديدة تستند إلى المضاربة وتكون أكثر جاذبية للعملاء، من خلال تقليل المخاطر والرفع من مستوى العوائد، مع الحفاظ على الالتزام الكامل بأحكام الشريعة، وكذلك الحال من خلال الاستفادة من التكنولوجيا المالية (Fintech) والذي يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في تجاوز العديد من الصعوبات العملية، مثل تسهيل عملية الرقابة وتتبع الأداء المالي، بالإضافة إلى تقديم حلول مبتكرة لإدارة المخاطر.
5. إطار قانوني وتنظيمي أكثر دعمًا وهي محطة تشكل ركيزة أساسية ويمكن تحقيقها من خلال تطوير التشريعات، فهناك تطلعات لتطوير أطر قانونية وتنظيمية أكثر دعمًا وانسجاماً مع عقود المضاربة، بحيث تتماشى هذه الأطر مع تطور الأسواق المالية الإسلامية وتساعد على حماية حقوق جميع الأطراف المعنية، وكذلك تعزيز التعاون الدولي، فالتعاون بين الدول الإسلامية لتوحيد وتطوير قوانين المضاربة وقواعد عملها يمكن أن يسهم في تعزيز الثقة في هذه العقود على مستوى الأسواق الدولية.
6. التكامل مع الأسواق العالمية، وهي محطة أساسية تتطلب التوسع في الأسواق من خلال السعي نحو استخدام عقد المضاربة بشكل أوسع في الأسواق العالمية، وليس فقط في الأسواق الإسلامية. هذا يتطلب تحقيق توافق بين المعايير الشرعية والمعايير المالية الدولية، إضافة إلى جذب المستثمرين الدوليين من خلال توفير ضمانات شرعية وعوائد مجزية، مما يعزز فرصة جذب مستثمرين دوليين للاستثمار في المنتجات المالية الإسلامية القائمة على المضاربة.
هذه التطلعات تهدف إلى تعزيز دور عقد المضاربة كأداة مالية إسلامية فعالة ومستدامة، مع تحقيق التوازن بين الأهداف الربحية والالتزام بمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.
المركز المغربي للاقتصاد التشاركي، مركز مستقل غير ربحي، تأسس سنة 2019 بمدينة أكادير، من قبل مجموعة من المتخصصين والمهتمين بالاقتصاد والمالية التشاركية، منتسبين لمجالاته الثلاث؛ الفقه والاقتصاد والقانون. وتكمن رؤيته في الإسهام في التعريف بمقتضيات الاقتصاد التشاركي وإبراز دوره التنموي في شموليته، والوعي بخصوصياته التأصيلية وسياقاته التنزيلية وتطبيقاته المعاصرة.